أتمنى أن تتفهم غضب الجميع منك وحنقهم عليك في اليومين الماضيين يا حسن .
: لكن هناك من سرق تعبي طوال الفترة الماضية يا جابر .
: يؤسفني أن أبلغك قرارهم بخروجك من العانا قليل ادبة .
: لماذا ؟
: لأنهم يعتبرون أنك أصبحت مصدر إزعاج لهم .
قررت ساعتها العودة لخالي في ( بديع الخرم ) من صباح الغد الجمعة .
أثناء تجوالي في أبو عريش لبيع ( فل ) قمت بشرائه فجر اليوم ( الجمعة ) من بقية المال الذي كان في جيبي ولا يفارقني أبدا ,وقبل ذهابي لخالي , حولت الفل لعقد متساوية الأطوال تفاجأت بجيب الجوازات أمامي مباشرة أعجزتني المفاجأة عن الحركة وبقيت واقفا مثل المصروع حتى نزل الجندي وسحبني وأركبني الجيب حيث كان هناك اثنان قبلي داخل الجيب .
الساعة التاسعة والربع صباحا تقريبا ونحن ثلاثة في الجيب وهو ينطلق بنا لجهة لا أعلمها ينظر كل واحد منا للآخر وأتذكر في تلك اللحظات حكاية جابر مع جنود شرطة أحد المسارحة .. لكن الجنديين الشابين لا يلتفتان لنا ويبدوا أنهما ليسا من طينة من ذكرهما جابر لكن علينا انتظار الفرج .
للأسف لا جديد ويبدوا أنهما يتجهان صوب مركز الترحيل في مدينة جازان حسب ما فهمت من حديثهما مع بعض وتحدث أحدهما في هاتفه الجوال .
تمر اللحظات بين أبو عريش وجازان سريعة أمر خلالها بطيف المزرعة التي يعمل فيها خالي وأندب حظي العاثر الذي أوصلني لهذه الحال .
الساعة العاشرة تقريبا ونحن أما بوابة الترحيل في مدخل مدينة جازان ..
ينزلنا الجنديان وندخل غرفة كبيرة جدا فيها ما يقارب الألف شخص من أبناء جلدتنا ومن الجنسية الأثيوبية وعدد قليل من البنقاليين ومن كل الأعمار تقريبا ومن الجنسين .
نصلي الجمعة داخل المركز بعد أن خطب بنا شاب سعودي يبدو في العشرينات من عمره وكان موضوع خطبته ( الزكاة ) تم بعدها توزيع وجبة الغداء علينا وخلدنا للراحة طوال اليوم تعرفت وقتها على ( أحمد الجوخي ) من محافظة حجة / شمال صنعاء .
يخبرني ( أحمد) تلك الليلة أنهم سيتم ترحيلنا لبلدنا صباح غد السبت وأنه سبق أن تم ترحيله مرتين سابقتين لكنه هذه المرة أختار بنفسه طريقة سفره حيث عرض نفسه لدورية شرطة في مدينة صبيا ليتم إيصاله للحدود اليمنية بدون متاعب وبدون تكلفة مادية فقد وصل لمسامعه أن والدته مريضة ويرغب في زيارتها والاطمئنان عليها في محافظة ( حجة ) .
في صباح السبت تم إركابنا باصا للنقل الجماعي وكان هناك باصات أخرى تم تحميل غيرنا فيها كان لون بعضها أصفر ومكتوب عليها " لنقل الطالبات " .
امتلأ الباص فوق طاقته في حدود الساعة والنصف وهناك ما يقارب 250 شخص معظمهم واقفون وننطلق بالإضافة للسائق وسبعة من جنود الجوازات .
يتجه الباص ناحية الجنوب حيث سيقطع طريق جازان أحد المسارحة صامطة الطوال حسب الصديق الذي كان رفيقي ليلة أمس وتستغرق فترة الطريق ساعة ونصف تقريبا لمنفذ الطوال .
يغط عدد كبير من الركاب في نوم عميق وبالذات الجالسين في المقاعد أما أنا وصديقي الجديد ( أحمد ) فقد كتب لنا أن نكون في مؤخرة الباص .
يزيد السائق سرعة الباص شيئا فشيئا , يتجاوز السيارات الصغيرة بصورة غير معقولة , يتمايل الركاب النائمون والصاحون معه وفجأة .
صوت هائل وطيران غريب لجسمي ناحية الأمام وارتطام عنيف بأجساد مقطعة وبركة دماء كبيرة وحريق في مقدمة الباص وأصوات أنين وصياح وبكاء .... وظلام وغياب عن الواقع .
ما الذي حدث ؟
لقد اصطدم الباص وجها لوجه وهو في حالة تجاوز بصالون فيه عائلة مكونة من ثمانية أفراد لقوا حتفهم ما عدا رضيع في العناية المركزة وكان نتيجة ركاب الباص 47 متوفي وأكثر من 90 مصابا إصاباتهم متفاوتة وأنا أحدهم ..
كل هذه المعلومات عرفتها وأنا على السرير الأبيض في مستشفى جازان العام علما أن المصابين تم توزيعهم بين ثلاثة مستشفيات هي بالإضافة للمستشفى الذي أنا موجود فيه مستشفى الملك فهد المركزي ومستشفى أبو عريش العام .
استنفار كبير حصل ساعة الحادث وبعده من كل الجهات الحكومية , سيارات الإسعاف ومركبات متنوعة للدفاع المدني ودوريات للمرور والشرطة وزيارات متتالية من كبار المسئولين في المنطقة لنا في المستشفى ..
وسط كل تلك الأحداث غاب عني أن أسأل عن صديقي ( أحمد الجوخي ) , لا أعلم عنه شيئا . إصابتي خفيفة ولله الحمد وسيكون موعد خروجي بعد ظهر الغد ( الأحد ) حسب الطبيب المشرف على إصابتي .
يتم إعادة ترحيلي في باص ( نقل الطالبات ) عصر الأحد وأفاجأ بـ ( أحمد الجوخي ) على أحد كراسي الباص ..
: الحمد الله على سلامتك .
: الله يسلمك .
: ما الذي حصل معك ؟
: لا شيء , خرجت من الحادث دون أي إصابات وتم إعادتنا لمركز الترحيل حتى هذه اللحظة .
: أما أنا فقد غبت عن الوعي وأفقت في المستشفى لكن إصابتي كانت خفيفة ولله الحمد .
: ما حصل كارثة بكل المقاييس .
: الحمد لله أننا خرجنا منها أحياء .
: الحمد لله .